الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع سرعة مرور الأيام -خصوصًا في آخر الزمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ» (متفق عليه)- قد يَنسى الإنسان -مع جسامة الأحداث وكثرتها وتتابعها- كثيرًا مما يحتاجه مِن التأمل والتدبر في آثار ملك الله وقدرته التي تجعل القلب قبل اللسان يقول: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، ويحتاج الإنسان
هذا التدبر؛ ليتخذ مواقفه في الحياة بناءً عليه، وليس فقط على الحسابات المادية وهي قوة أهل الأرض وقدرتهم.
في مثل هذه الأيام مِن العام الماضي كان مُلك "مبارك"، و"ابن علي"، و"القذافي" مُلكًا ذا أوتاد، وكانت أجهزة فساد هؤلاء تعيث في الأرض ظلمًا للبشر وانتهاكًا لحقوقهم، تحبس وتعذب، وتنتهك أعراضًا، وتقتل أنفسًا، وتأكل الأموال بالباطل، فأمر الملك الحق الذي بيده ملكوت كل شيء بقوله: (كُنْ) أن يتغير ذلك كله، فكان ما أَمر: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82].
وبالحسابات الأرضية ما حدث كان فوق خيالنا وأحلامنا، كما أن زوال ملك أمريكا وإسرائيل والغرب اليوم، واضمحلال سلطان الحضارة الغربية الجائرة الظالمة التي بُنيت على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان تحت شعار: "حقوق الإنسان"، والتي أسست على استعباد الإنسان بالشهوات تارة، وبالقهر تارة - هو اليوم ما زال فوق الخيال والأحلام، ومِن أجل ذلك لا يزال الطابور الخامس -الطويل جدًّا- مِن العملاء يعمل لحساب الأعداء؛ ليقبض ثمنًا بخسًا من دنيا حقيرة: ملك زائل، أو مال ذاهب، أو شهرة، أو جاه، أو جنس، أو صدارة إعلامية؛ ليبيع دينه وأمته، ويكيد المؤامرات؛ لتخريب البلاد! لا يعبأ بتألم مظلوم، أو بجوع فقير، أو بتأوه مريض، ولا بدموع أم تفقد ولدها، ولا بغصة يتيم يفقد أباه، ولو شهدوا أنه الله بيده الملك، وأنه على كل شيء قدير؛ لتغيرت مواقفهم.
وأتذكر نفسي في مثل هذه الأيام أنتظر التهديد الذي أُبْلِغْتُه منذ أشهر قبلها مِن أجهزة أمن الدولة بأن بقاءنا خارج السجن هو لعدة أشهر فقط، وقد حان موعد "الضربة الإجهاضية" التي تتكرر كل عدة سنوات بعد أحداث تفجير "كنيسة الإسكندرية"! والمجزرة التي كان يتعرض لها الإخوة عقبها في مبنى المديرية القديمة، وكان من نتيجتها مقتل الأخ "سيد بلال" -رحمه الله وجعله من الشهداء.. آمين-.
ولا أملك أن أدفع عنه شيئًا، لا أملك إلا أن أقول: "ربنا إنا مغلوبون فانتصر"، لا أملك إلا أن أقول لهم: قد مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- زمان كان يرى فيه ياسرًا وسمية وعمارًا يُعذبون، فيقول لهم: «صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» (رواه الحاكم، وقال الألباني: حسن صحيح)،
فتستهزئ بكلامي الصحف الصفراء -التي ما زالت إلى اليوم صفراء بحقدها وحسدها- وتتهمني ببيع القضية، وكم مِن مُتهم إلى الآن، والموعد القيامة.
أتذكرني وقد ذهبت مع المشايخ الكرام الأفاضل لمبنى "أمن الدولة" مطالبًا بمقابلة وزير الداخلية؛ لإيقاف المأساة التي يتعرض لها الإخوة، والتي أُهدَّد بأنها ستزداد بتوسيع دائرة الاشتباه إذا لم يستدلوا على ذلك المجهول الذي دبر ونفذ، ولا بد أن يظهر، ولا بد أن يكون منا؛ فأيدي الإرهاب عندهم لا تخرج عنا، وأذكِّرهم في لقائي بهم بقول الله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (رواه الترمذي والبيهقي، وصححه الألباني)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ» (رواه مسلم)، - فأُستقبل بضحكة صفراء؛ لغرابة الطلب؛ ولشدة التذكير الذي كان لا ينتظر مثله!
وأخبروني بالمنع من أي رد فعل؛ حتى مجرد صدور بيان لاستنكار ما يحدث، وقد سبق لنا بيان في استنكار "حادث الكنيسة"، لكن ما يحدث لإخواننا لا يستحق عندهم استنكارًا؛ لأنه كما قالوا لي: "من قال لك: إن هناك تعذيبًا؟! ومن قال لك: إن سيد بلال قد قتل؟! ومن قال لك: إن هؤلاء المقبوض عليهم سلفيون؟!" -كنت أود أن أقول: والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب-، كان الجواب عندهم جاهزًا: "انتظر تقرير الطب الشرعي؛ وإلا فنحن قادرون على التعامل الأمني مع أي رد فعل، وأظنكم لا تريدون مزيدًا مِن الخسائر".
ومرت أيام وتبدلت أحوال، فأمِن خائف، وخاف ظالم -كان أيضًا خائفًا بسبب ظلمه، وإن كان يقنع نفسه بأنه آمن-، وذل عزيز، وعز ذليل، وحبس طليق، وأطلق أسير.
أتذكرني وأنا أرى صورتي في هيئة منكرة تحت عنوان: "أخطر رجل في مصر"! على غلاف "روز اليوسف" -لسان حال الأمن دائمًا قبل الضربات المؤلمة-، وأقرأ ما فيها متشرفـًا بذمهم، متبرأ من مدحهم، متعززًا بطعنهم؛ فإن ذم هؤلاء زين ومدحهم شين، فإذا بالأحوال تتبدل، والأيام يداولها ربُّ الأولين والآخرين، فيهرب "زين العابدين"، وتتصعد الأحداث بما فوق الخيال، وبما فوق التدبير البشري، وبما يخالف حسابات أي عاقل يزعم أنه يحسن الحساب!
كل ذلك؛ لنوقن أن الله مالك الملك، وأن بيده ملكوت السماوات والأرض، وأن قلوب العباد بين أصبعين مِن أصابعه يقلبها كيف يشاء، وأنه يخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويقضي بين خلقه بالقسط، وأنه يقص الحق وهو خير الفاصلين.
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق