قصة واقعية عن شخص حفظ القرآن الكريم وأجيز فيه بأكثر من إجازة (رواية حفص عن عاصم). جميع الظروف المحيطة به لا تشجعه على التدين فضلا عن حفظ القرآن، أسرة لا تخلو من الإضطهاد الطفولي والمشاكل الأسرية التي لا تنتهي، بيئة تنعدم فيها القدوة إلاّ بصيص أمل لأم أدركت والديها يصلون وقرابة لا يعرفون من الدين إلاّ اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه! ولكن إذا قدرا لله أمرا أمضاه..
صاحب القصة من دولة
خليجية يقول: استهواني حفظ القرآن وعمري ستة أعوام عندما رأيت والدتي تمسك المصحف بكلتا يديها وببراءة الطفل سألتها: هل يا أمي إذا حفظت القرآن أربع مرات أدخل الجنة. قالت: نعم. ولم تعر كلمتها أن وقعت في نفس الطفل وأخذت به كل مأخذ، فكان يرى ويسمع في كل شهر رمضان أئمة الحرم المكي والمدني كيف كانت تلاواتهم وقراءتهم..
مرت السنوات وفي مرحلة الدراسة المتوسطة أعلن عن مسابقة حفظ القرآن بجزء واحد فحدث نفسه بالمبادرة والتجربة.. بدأ التحدي ومع مدرس التربية الإسلامية أتم حفظ جزء واحد بدون علم أهله وبدون عناء.. لما علمت أسرته ثبطوه وحذروه لاعتقادهم أنّ حفظ القرآن دروشة وتضييع لدروسه، زاد ذلك من إصراره وتمسكه بل كان تحدي لنفسه وبغية التميز على كثير من أقرانه في بيئة ينعدم فيها الحفاظ.
اشتهر الفتى الصغير في أسرته بحبه للقرآن وكثرة سماعه له وفي يوم هادئ جلس مع أخيه الأكبر، قال له مرة يمازحه: أنا حفظت سورة البقرة كاملة! قفز الفتى من مكانه مستغربا أشد الاستغراب.. بدأ أخاه يسرد السورة سردا، مما زاد من شدة استغرابه.. هو بالكاد يصلي فضلا عن أن يحفظ حفظا قويا وسورة البقرة أيضا! انتهى الموقف وولى عنه وهو يتبسم، وبعد اسبوع كامل جاء لأخيه الأكبر وقال له: اجلس أسمعك حفظي لسورة البقرة كاملة كما حفظتها أنت! فتح عيناه لأنه نسي ذلك الموقف وقال: كيف! هات المصحف وبدأ الفتى الصغير يسرد كسرد أخيه من حفظه، فلما انتهى من القراءة قال الأخ الأكبر: قد كنت أمزح معك لأنني كنت أحمل مصحفا صغيرا قد أخفيته وأنت تتابع في المصحف الآخر حيث أقرأ منه وأنت لا تشعر! وإني أنصحك إن كانت رغبة ملحة وشديدة للحفظ فاستمر بحفظك للقرآن.
وبما أن البيئة لا تشجع مطلقا على الحفظ والالتزام، انقطع هذا الشاب عن الحفظ بعد دخوله الجامعة بعد أن حفظ 25 جزءا، وبعد انقطاع 5 سنوات لم يقرأ صفحة واحدة من القرآن.. فتور يصيب الشباب ودراسة وسقوط ونجاح.. ثم راودته الفكرة بعد تخرجه وكانت ملحة في نفسه طوال مدة دراسته في الجامعة، يقول: كان هذا الإلحاح في نفسي حتى أني تصورت أنني لا يمكنني أن أعيش أو يكون لي كيان أو يهنأ لي عيش حتى أتم القرآن كاملا. ولأول مرة يرواده هاجس الموت ولا يتصور أن يدخل القبر بدون أن يتم حفظ القرآن لقد استرجع 25 جزءا في خلال 7 أشهر وأتم الخمسة الباقية في ثلاث أشهر بتوفيق الله تعالى.. كانت همة وهاجس ونهم وطول ملازمة.
كثير من الشباب عنده الرغبة والقدرة في حفظ القرآن وليس عنده ضعف في الذاكرة ولا ثمة صعوبة إطلاقا في حفظ كتاب الله، الصعوبة الحقيقية في ايجاد تلك الهمة وإذكائها وجعلها حياته كلها. ولاريب أنّ حفظ القرآن أولى انطلاقاتك للعلم الشرعي، وكان علمائنا يحفظونه في الثانية عشر والقليل من يتجاوز هذه السن لأن حفظه عندهم من المسلمات ومن زعم الصعوبة فقد كذب كلام الله عزوجل القائل {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [سورة القمر: من الآية 17]، فمن أيها أردت وجدت البركة في القرآن علما وعملا ووجدت عون الله معك في حفظه ودراسته، والأهم من ذلك أن يكون القرآن في سلوكك ووجدانك وسمتك في قيامك من ليلك ونهارك، فمن قام بالقرآن من ليل أونهار في صلاة فرض أو نفل ذكره وثبت في ذاكرته كما ثبت في الحديث الصحيح وهو مخرج في السلسلة الصحيحة للألباني لكن مع الصبر والمثابرة وتأمل قوله عزوجل {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [سورة البقرة: من الآية 45]، فعليكم معاشر المسلمين وبالأخص الشباب اغتنام السن الذهبية للحفظ التي تبدأ من سن الرابعة حتى الخامسة والعشرين ولا يمنع ذلك حتى كبار السن، وهناك من القصص لرجال تجاوزوا الستين أتموا حفظه مع كثرة المراجعة، فمن أتم حفظه فعليه بختمة كل خمس أو ستة أيام يواظب عليه بأقل تقدير سنة كاملة وقد قال الحفاظ: "من قرأ بالخمس لم ينس". هذا كمنهج يسير عليه طول حياته لكن لما ضعفت الهمم قالوا يختم من حفظه بعد السنة في الشهر مرتين، مع علمنا أن بعض المشايخ في وقتنا هذا ظل يختم من حفظه كل أسبوع حتى توفاه الله، وإلا ذهب ما اجتهد من تحصيله.
أسأل الله لأمة القرآن أمر رشد وأن يرزقهم حب القرآن قولا وعملا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق